تمثل السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة نموذجًا دالًا على تَحوّل نمط التفاعلات الخارجية للدول السلطوية الجديدة في الشرق الأوسط، لا سيما بعد ثورات "الربيع العربي". ففي ظل بيئة إقليمية مضطربة، أعادت القيادة الإماراتية تعريف أدوات التأثير والنفوذ الخارجي، بما يتجاوز الأطر الواقعية التقليدية للمصلحة القومية نحو توظيف الأيديولوجيا السلطوية كرافعة لتعزيز النظام الداخلي ومواجهة خصومها الإقليميين.

وتتجلى هذه المقاربة في استهداف تيارات الإسلام السياسي، خصوصًا جماعة الإخوان المسلمين، ليس فقط داخل الدولة ولكن أيضًا في السياسات الخارجية الموجّهة، من خلال دعم أنظمة سلطوية أخرى، وتمويل شبكات إعلامية ومراكز بحثية دولية لإعادة إنتاج سردية "الإسلام السياسي كمهدد للاستقرار"، ما يُشير إلى تطور في مفهوم "الأمن الإقليمي السلطوي" (Authoritarian Regional Security Complex). كما يتوافق هذا النمط مع ما تُعرّفه أدبيات العلاقات الدولية بـ"الدبلوماسية الوقائية السلطوية" (Authoritarian Preventive Diplomacy), التي تُوظف فيها أدوات ناعمة وصلبة للحيلولة دون تَمدّد أي نموذج سياسي يُهدد البنية السلطوية الداخلية.

وفي هذا السياق، تلعب السردية الإعلامية دورًا مركزيًا في هندسة الرأي العام وتوجيه الإدراك الإقليمي والدولي، عبر تسويق خطاب "الاستقرار مقابل الفوضى" وترسيخ ثنائية "الدولة القوية مقابل التهديد الإسلاموي". وقد تحوّلت وسائل الإعلام المموّلة إماراتيًا إلى أدوات استراتيجية لإعادة تشكيل البيئة المعلوماتية في المنطقة، من خلال بناء تحالفات إعلامية عابرة للحدود، وتوظيف خطاب إعلامي يتماشى مع أولويات السياسة الخارجية. كما تُستخدم هذه المنصات لنزع الشرعية عن الخصوم، وتشويه الحركات السياسية ذات المرجعية الإسلامية، في إطار ما يُعرف بـ"الهندسة الأيديولوجية عبر الوسائط" (Ideological Engineering through Media Platforms).

More Abderrahmane Khermaza's questions See All
Similar questions and discussions